عرف الدكتور المهندس عبد الله بن حسين القاضي عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام، وأمين عام جمعية البر بالمنطقة الشرقية، ومدير عام جمعية المعاقين بالمنطقة الشرقية.
عرف بحضوره القوي في مجال العمل الخيري.
وربما لا يعرف كثيرون بأن له نشاطا بحثيا يتميز بالجودة والنوعية، في مجالات التنمية والمعمار.
وقد وقع في يدي أحد أبحاثه الإبداعية، في مجال قريب من نفس كل مسلم محب للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وسمه بعنوان جاذب: (الخصائص التخطيطية للمساجد في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ).
وقد تقافزت أمامي الأسئلة برشاقة هذا البحث وعمقه، كيف يمكن قياس مساجد لها هذا العمر المديد، الذي ينيف على أربعة عشر قرنا من الزمان.
وأين المصادر التي ستعين الباحث على أداء مهمته الصعبة التي اختارها بكفاءة همته وصبره، فالموضوع ـ كما قال الباحث ـ "محاولة غير مسبوقة".
ولكنه التفت إلى الدراسات التراثية الموثقة، والخريطة المساحية الأصلية التي أعدتها هيئة المساحة المصرية عام 1946م.
وأضاف إليها زياراته الميدانية الخاصة، مستخدما أنظمة مسحية حديثة.
فاستطاع تحديد وتوصيف ثم رصد وتوقيع ورسم وقياس مسافات المساجد المتواجدة في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي بلغت ستة وعشرين مسجدا.
وهو شأن المبدعين، لا يرتضون أن يجتروا أقوال الآخرين ثم ينسبونها لأنفسهم.
ولا يقبلون أن يكونوا نسخا باهتة من غيرهم، بل يتقدمون في الأرض اليباب، ليشقوا الطريق الجديدة، فينطلق الناس وراءهم، ولكلٍ وزنُه.
فلا يستوي من يضيف إلى الحياة شيئا جديدا، والذي يستهلك الحياة ويقعد بتقدمها بعجزه وكسله.
ثلاثة مواقع توزعت هذه المساجد تحمل عبق النبوة، وتحمل ذرات النور التي تدفقت على هذه الأرض الطيبة، التي تفوح بأعطر السير، فما من شبر إلا وقد سمع الهدى، ووقعت عليه جبهة عابد، أو مسته يد مجاهد.
131 مترا فقط متوسط نطاق خدمة المساجد التي تقام فيها الفروض الخمسة، و 5 كم نطاق مسجد الجمعة ومصلى العيد، في ذلك العهد المضيء بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فإذا بها تنداح على اليابسة فتغطي الكرة الأرضية كلها، فأية أرض لم يرتفع فيها أذان؟ أو لم يركع فيها مسلم ركعة لله تعالى؟
والدراسة ـ كما تظهر ـ على أمر قد مر وانقضى، فكل شيء قد تطور بفضل التوسعات التاريخية التي مرت بمساجد المدينة النبوية المنورة بالحبيب صلى الله عليه وسلم.
ولكن باعتبارها مستنبطة من الممارسة الواقعية للمسلمين الأوائل خلال العهد النبوي.
فمن المأمول ـ كما يستشرف الباحث ـ أن تسهم نتائجها ـ بصفتها إطارا مرجعيا مرشدا ـ في الوصول إلى معايير تخطيطية قياسية أفضل لتوزيع المساجد في المدينة الإسلامية المعاصرة.
وهكذا ينحو الباحث الذي اعتاد في حياته أن تكون متعدية النفع للآخرين، والدكتور أنموذج لذلك، غالب وقته مصروف لتفريج كربة فقير أو سجين أو معاق، ألا يصرف شيئا من وقته الثمين إلا في بحث له عمقه الحضاري.
وله ظلاله الوارفة على الحياة من حوله. ولذلك أيضا لم يرض أن يبقيه منزويا في مجلة علمية.
قد لا تمتد إليها إلا أيدي الباحثين فقط، بل أفرده في مستلة أنيقة جدا.
(المقربون من الباحث يعرفون ذوقه الحساس في مفردات حياته وعمله، ولا سيما في المطبوعات)، لتكون بين أيدي كل المثقفين، والمحبين لطيبة الطيبة وإرثها المبارك.
وهنا أنعى ألوف الأبحاث الأكاديمية التي كُفِّنت ودفنت في رفوف المكتبات، ولم يعد لها وجود فاعل في الحياة .. لا .. بل بعضها حُرِم حتى من وجوده العلمي لدى أهل التخصص ذاتهم.
ولم ينتج عنه سوى درجة علمية، سوف ترحل برحيل من حصل عليها..
الكاتب: د . خالد بن سعود الحليبي
المصدر: صحيفة عكاظ، العدد 3674